الهلع والسينما

يحتفل العديد من الناس حول العالم في كل عام بـ “عيد الهلع” Halloween ولكن هل تساءلت ما المثير في الهلع أو الرعب؟ ربما اندفاعة هرمون الأدرينالين في العروق، أو القشعريرة اللحظية التي تثير مشاعرك عند التعرض للمواقف “المرعبة”.

لحظة، هذا المقال ليس عن الهالوين ولكن عن سينما أفلام الرعب والإثارة، ولكننا كنا نحتاج إلى تمهيد، شكرا لكم، يمكنكم الاستمرار في المقال.

نشأ هذا الطقس الاحتفالي بالرُعب بشكل أساسي من قلب الثقافة الأوروبية، ولكنه انتشر بفعل الإعلام بين أغلب ثقافات العالم ومن بينها ثقافتنا العربية، وبالطبع غلب عليها الطابع الأمريكي بفضل السينما الهوليودية!

من هنا نطرح تساؤلاتنا لماذا نشاهد أفلام الرعب؟

مهلا، ما هي أفلام الرعب أصلا؟

أهي أفلام رعب أم إثارة؟

ما الفرق بينهما؟

لماذا تثيرنا قفزات الهلع Jumpscares؟

في الواقع نحن لا نملك إجابات، نحن فقط نطرح الأسئلة، حيث أنه لا توجد إجابات نهائية، كلها آراء. أفلام الرعب متنوعة جدًا من أفلام العفاريت والأشباح إلى القتلى المتسلسلين وأصحاب الأمراض العقلية إلى المخلوقات الفضائية والأوبئة والأمراض الخطيرة إلى أكثر من ذلك بكثير، حتى أننا لا نعرف ما هو القاسم المشترك بين هذه الأفلام لوضعها في نوع فني أو سينمائي واحد genre.

والإجابة بسيطة بالطبع: ما يخيفك قد لا يخيفني، وما يخيفهم قد يخيفك ويخيفني!هذه الإجابة على بساطتها، تُعقد الأمور أكثر، لأنها تطرح سؤالًا، ما الذي يخيف الجميع حتى نطرح له فيلمًا يحصد الجمهور والإيرادات؟

بدأ تقديم سينما الهلع والإثارة أو أفلام الرعب مع بداية صناعة السينما كأفلام غموض وإثارة، لكن تم تعزيزها بشكل أكبر في ثلاثينيات القرن الماضي وتقديمها لأول مرة كأفلام رعب Horror، حيث بدأ الأمر بتحويل الروايات الأسطورية التي تقدم الكائنات الخرافية مثل مصاص الدماء الكونت دراكولا وفرانكشتاين وغيرهم لأول مرة من خلال شاشات السينما. ولكن لم تتوقف هذه الصناعة الإثارية على روايات الأساطير فقط، بل امتدت لتصبح نوع سينمائي مستمر له جمهور يقدم له العديد من القصص المتنوعة، وبعضها يمتد إلى سلاسل من الأفلام مثل Saw و Scream و IT وغيرهم الكثير، لكن يبقى السؤال ما هو القاسم الفني المشترك بين هذه الأفلام؟

يعتقد الكثيرون أن أفلام الرعب تعتمد على مخاوف الطفولة، وتتعمد إثارتها مثل أفلام الأشباح والموتى الأحياء أو التهام الحيوانات للبشر، ولكن هل يكفي هذا التفسير لتبرير العلاقة بين أفلام هذا التصنيف؟ 

ربما نعم وربما لا، لأن جزءًا كبيرًا من هذه الأفلام يعتمد على العنف ذاته ليكون محركًا للأحداث، وبعضها الآخر يعتمد على الأوبئة والكوارث الطبيعية، وهي ليست من مخاوف الطفولة التي يمكن الاعتماد عليها، ولكن يمكن أن نستخلص منها أنه ربما خوف من الموت.

أفلام الهلع تقدم لك وجبة ساخنة من الأحداث المثيرة نفسيًا وعاطفيًا، فربما تجد في بعض الأفلام أنك مضطر لقتل أبنائك، وهي مخاوف ومشاعر هلع متبادلة بين الآباء والأبناء، يمكن أن تُخيف كليهما حين يشاهدوا هذه الأفلام، كما في فيلم The Killing of a Sacred Deer.

تمنحك أفلام الرعب فرصة أن تختبر مخاوفك من خلف الشاشات، حيث الاتفاق الضمني أن هذا الفيلم له وقت محدد وينتهي، وأنت -أي المشاهد- ستعود إلى ممارسة حياتك الطبيعية مرة أخرى، وهو ما يمنحك فرصة أن تواجه هذه المخاوف دون مواجهة حقيقية، ولهذا يسعد البعض بالنهايات السعيدة، ولكن هل كل النهايات سعيدة؟ بالطبع لا، بعضها ينتهي نهايات صادمة، وهو ما قد يصيب المشاهدين في وقتها بالمشاعر السيئة.

وسواءًا كانت النهاية سعيدة أو مُفزعة، تبقى في ذاكرتك آثار من هذه الأفلام.

Vampyr

لا يعرف البعض أن السينما قامت على علم قبل أن يكون فنًا، وأحد أهدافه الأساسية هي تحقيق نظرية الإيهام، والإيهام ببساطة دون الخوض في مصطلحات أكاديمية هو أن تجلس على مقعد المشاهد وتندمج مع أحداث الفيلم، وتتماهى مع شخصياته وتشعر بالتشويق والإثارة مع كل حدث كبير، وهنا يجب أن نشرح ظاهرة بقاء الرؤية Persistence of Vision.

هل تساءلت من قبل ما معنى 24 إطار بالثانية 24 frame per second؟ 

إنه عدد الصور التي يتم التقاطها في الثانية الواحدة لتشكل ثانية واحدة من المقطع المصور والمتحرك على أي شاشة، لأن كاميرات السينما لا تلتقط صورة متحركة فعلا وإنما تلتقط مجموعة من الصور تسير وراء بعضها البعض لتشكل هذا الفيديو، ولكن لماذا 24 إطارًا بالتحديد؟

لأن أقل من ذلك يمكن للعين البشرية أن تلاحظه حسب ظاهرة بقاء الرؤية التي اكتشفها بيتر مارك روجيه Peter Mark Roget والتي تقول أن العين البشرية تحتفظ بالصورة على شبكيتها بعد أن تتلاشى من أمامها لمدة 1 على 10 من الثانية الواحدة، وهو ما يعني أنك يمكن أن تخدع العين البشرية إذا ما تلاحقت مجموعة من الصور الثابتة التى تختلف عن بعضها اختلافات بسيطة أمام العين بسرعة تتراوح ما بين 10 إلى 14 صورة فى الثانية الواحدة، حتى تنخدع العين البشرية وتعتقد أنها تشاهد لحظات حقيقية فعلا دون أن تدرك أنها تشاهد مجموعة من الصور الثابتة فعلا؛ على هذه الظاهرة تم تطوير فن السينما وأصبح الإيهام عنصرًا أساسيًا لهذه الصناعة.

نأسف لهذه المقاطعة الأكاديمية، والآن نعود إلى أفلام الهلع مرة أخرى، ونسأل ما العلاقة بين كل هذا؟

بعد مشاهدات طويلة، تدرك أن أفلام الرعب تلعب بشكل كبير على إثارة الحواس، من خلال جرعات مكثفة من كل ما هو غير مألوف أو طبيعي، من حيث الإضاءة والصورة ومواقع التصوير، وكمثال فإن اختيار الظلام والإضاءة الخافتة له هدفين رئيسيين:

The Babadook (2014)

الأول هو استثارة مشاعر الخوف عند العديد من الناس والإشارة إلى المجهول خلف الظلام، وهو الجانب النفسي للموضوع.

والثاني هو العلمي هنا، فاختيار الظلام يجعل المشاهد يحتاج إلى التحديق بشكل أكبر وهو ما يستدعي توسيع حدقة العين وإثارة سيالاته العصبية ووضع تركيزه كله على الأحداث، حتى تهاجمه قفزة الهلع أو التخويف Jumpscare.

 

قفزات الهلع Jumpscares هي سمة عامة في أغلب أفلام الرعب والإثارة، إلا فيما ندر منها، أنت دائمًا مطالب منك أن تقفز من مكانك أو يقفز قلبك من صدرك، وهذا لن يتحقق إلا ان كنت مُنهمكًا في الفيلم بكل حواسك، ولكننا لن نتكلم عنها تحديدًا فهي تطبيق حديث نسبيًا يكسر نمطية الأحداث التي يشوبها القلق وترصد المجهول مثل الصمت والمشي في طرقات المنازل المهجورة، بهجمة خاطفة عبر حادث قتل أو هجوم لبعض الوحوش أو أيًا ما يكون غير طبيعي في هذه اللحظة.

وهنا مربط الفرس، وهو الإخلال بكل ما هو ليس طبيعي أو سائد؛ أغلب أفلام الرعب تقدم وحوشًا تكسر الوضع السائد، حتى لو كانت هذه الوحوش بشرية تشبهنا، مثل القاتل المتسلسل في Psycho أو مصاصو الدماء والرجل الذئب، هناك دائمًا أمر غير مألوف على طبيعة العالم الذي يعيشون به، أو حتى من داخل البطل الذي تتماهى معه ثم يفاجئك بأمور غير طبيعية كما في فيلم The Shining، وصولا إلى الأوبئة التي تعكر صفو العالم، أو الكائنات الأليفة التي تتحول إلى وحوش كاسرة. 

The Shining (1980)
The Shining (1980)

في واقع الأمر أنت لا تشاهد مجرد فيلم، بل توكل شخصيات أخرى لتواجه مخاوفك بدلا عنك وهم شخصيات الفيلم، وإذا لم يحتوي الفيلم على إحدى مخاوفك، سيقدم لك جرعة مكثفة من مختلف أنواع الإثارة لتحرك سيالاتك العصبية وتتفاعل معها، وربما تكتسب المزيد من المخاوف، فأنت ربما تعتقد أنك أمام الشاشة، ولكن ما لا تعرفه أنك واقع تحت تأثير الإيهام لمدة عرض الفيلم وتقبع العديد من المشاهد في ذاكرتك الآن. كانت الممثلة الأميركية جانيت ليه قد صرحت بأنها عانت لسنوات في كل مرة تقرر فيها الاستحمام بعد تصوير فيلم Psycho الذي نقل الهلع إلى مستوى جديد، حيث أحد أشهر مشاهد القتل في التاريخ، تحدث داخل حمام عادي، لا يبدو مميزًا ولا يوجد به أي آثار دماء أو رؤوس مقطوعة، فقط عادي ولا تتوقع بطلة الفيلم أي تغيير لهذا العادي، إلى أن تحدث الجريمة.

 وهو ما غير فلسفة الرعب وقدم لنا رعبًا بسيطًا، رعبًا قد يثير الجميع،  رعبًا دون إفراط في مشهد القتل نفسه، إنه يدعك لمشاعرك وتخيلك، ويمنحك الفرصة أن تتخيل نفسك مكانها!

أفلام الهلع صناعة طويلة وممتدة، لها جمهور كبير يحب أن تُداعب خيالاته الأشباح وربما تثير قريحة البعض الآخر، وربما يتندر البعض حولها، ولكن الأكيد أنها صناعة لها طرق فنية تحكمها، فحتى بعض الوحوش هي مثار للسخرية والتقليد في أفلام أخرى، مثل Addams Family، وبعضها يقوم بتقديم الكائنات المخيفة كالأشباح في صورة أبطال للأطفال مثل داني الشبح Danny Phantom وفي الثقافة اليابانية يتم تقديمهم أحيانًا ككائنات مظلومة بحكمنا عليهم أنهم مُرعبين، ويمكن أن يكونوا أصدقاء كما في فيلم Spirited Away وهو ما يعني بشكل عام أن الوحوش والكائنات الغريبة لا ترعبنا في حد ذاتها، وإنما الأفلام هي ما تفعل ذلك عبر قصصها والحبكات التي تستخدمها لتقديم هذه الوحوش، لدرجة أن بعض المخرجين المعروفين بصناعة أفلام الرعب يقدمون وصفات جاهزة لصناعة فيلم رعب، ويحدد بعضهم عدد قفزات الهلع بها. تتنوع آراء الجمهور حول أفلام الرعب، ويبقى لها جمهورًا يحب الإثارة والتشويق؛ حسنًا نتمنى لهم المزيد من الاستمتاع بالهلع والاحتفال به دائمًا، وأن نكون أمددناهم ببعض الأفلام المشبعة لفضولهم.

error: Content is protected !!
حقيبة الاستثمار0
حقيبتك فاضية.. اختار برامجك وأبدأ رحلتك السينمائية =)
0