ليكون هناك فن سابع، فهذا يعني أن هناك 6 فنون قد سبقتها، وهي:
1- العمارة
2- النحت
3- الفنون البصرية (الرسم – الطلاء – الفوتوغرافيا – الخ)
4- الموسيقى
5- المؤلفات (الأدب – الشعر – القصة – الكتب – الخ)
6- الأداء (مسرح – رقص – غناء – الخ).
لتأتي السينما في الترتيب السابع لتلك الفنون، ولكنها ليست مجرد فنًا عاديًا، إنها حاوية لكل الفنون الستة ولكل النشاطات الإنسانية عمومًا، وتحتضنها جميعًا في قالب فني واحد، فالسينما التي بدأت باختراع يمكن أن يسجل الأنشطة اليومية في حياتنا، أصبح بإمكانها أن تصبح انتقائية وتحدد ما الذي تصوره وتقدمه في كل ما يسمى بالفيلم. وهنا نطرح تساؤلا، كيف أصبحت السينما وعاءًا للفنون الأقدم؟
السينما والعمارة
السينما تحتاج إلى ديكورات، يمكن أن تكون مُعاصرة / تاريخية / مُستقبلية / تجريبية / مُتخيلة، وهو ما يعني أن فنون العمارة هي جزء من صناعة السينما، وتؤثر السينما في مستقبلها بالعديد من التصورات لشكل الحياة وعمارتها، حتى أن بعض الناس يتخيلون الحياة في المستقبل من خلال مشاهدتهم لأفلام الخيال العلمي.
في العام 2015 كانت هناك تجربة اجتماعية ساخرة في الشارع الأمريكي تسألهم عن تدمير مدينة (أغربة) المسلمة، والساخر في الأمر أن الجمهور المشترك، والذي أكد على معرفته بالمدينة، لم يكن يعرف أن (أغربة) ليست مدينة مسلمة، بل وليست مدينة حقيقية حتى، فهي مدينة أسطورية تم تقديمها في فيلم الرسوم المتحركة الشهير (علاء الدين) من إنتاج شركة ديزني عام 1992، حيث تم مزج العديد من الطرز المعمارية الهندية والعربية والفارسية، لرسمها وتقديمها من خلال الفيلم كجزء من عملية الاستشراق الدائم في التطلع إلى الشرق الأوسط بثقافاته المتعددة.
من التجربة السابقة يمكنك أن تستنتج أن البعض في الولايات المتحدة يعتقدون أن الوطن العربي يعيش في قصور هندية ضخمة، وهذا هو التأثير المقصود حين نتتبع علاقة السينما كفن سابع مع ما حولها، فالسينما وسيط فني حديث للغاية يمكن أن ينقل صورة حية للحاضر، أو تخيل مرئي للماضي، إل جانب تصوراته عن المستقبل، بأشكال عمارته وطبيعة الحياة فيه وأشكال المدن الحقيقية أو حتى المُتخيلة.
وهنا تظهر حرفية السينما الحقيقية في الاهتمام بالتفاصيل وجعلها منطقية، ففي عالم مسلسل Game Of Thrones أنت تشاهد عالمًا غير حقيقي ولكنك منذ اللحظة الأولى للمسلسل تتعرف على خريطة مدنه وممالكه من خلال تتر المسلسل، وخلال المسلسل يمكنك أن تتعرف على كل مملكة من خلال شكل مبانيها، وهذا هو جوهر العلاقة بين الفن السابع وفن العمارة، فالعمارة التي نشاهدها هي مزيج بين أشكال مختلفة للعمارة في أوقات متفرقة من التاريخ مع بعض الإضافة والتعديل، لتقدم أشكالا جديدة للعمارة من خلالها، حيث يمكن للعمارة أن تكون جزءًا من السينما، ويمكن للسينما أن تخلق تصورًا داخل عقول المشاهدين حول العمارة ذاتها.
السينما وباقي الفنون
ما ينطبق على السينما والعمارة، ينطبق على باقي الفنون الستة الأولى، فالعلاقة بين الفنون علاقة مُركبة، فيحتاج المُطرب إلى القصيدة التي يُغنيها وإلى الموسيقى التي تمنح الأغنية لحنًا، فيصبح المنتج النهائي يحتوي على فن أدائي وهو الغناء، وفن تأليفي وهو الشعر، وفن الموسيقى، وقد تنضم السينما لتجمع كل هؤلاء في فيديو كليب واحد، فيزيد عليهم الديكور والإكسسوارات والتمثيل والرقص وربما الرسم والأعمال الفنية على الجدران، فتجد أن السينما بشكل مُدهش في كل مرة تجمع أغلب إن لم يكن كل الفنون مع بعضها البعض، وهذا هو سحر السينما.
تحديات الفن السابع
هذا التنوع الفني والتقني للفن السابع -السينما- يضع صعوبة كُبرى على آليات التعامل معه، فأنت بحاجة إلى تنسيق وإدارة العديد من البشر لتتمكن من إنتاج فيلم واحد، حتى ولو كان قصيرًا، ولهذا يوجد الـ Director أو المدير، نعم نعرف أنه في السينما اسمه مخرج، ولكن عمله في الأصل هو الإدارة كما تستخدم ذات الكلمة في الشركات لتشير إلى المديرين.
هذا المفهوم حول الإدارة سمح بالتفكير في تحول هذا الفن إلى صناعة ضخمة لها قواعد منذا بداياتها، حيث يوجد نظام صارم يجمع أفراد العمل ببعضهم البعض -يمكنكم قراءة مقالة فريق العمل السينمائي- ويحولها إلى صناعة ومصدر دخل قومي للعديد من الدول.
ولكن إذا كانت السينما تعتمد على الإدارة، فما هو العنصر الفني بها؟
الرؤية الفنية يا عزيزي القارئ، هذا فن مُعقد للغاية يحتاج إلى العديد من الأدوار الفنية المتنوعة، بهدف واحد بسيط أن يحكي لك قصة، أو ينقل لك حدثًا هامًا أو فريدًا، وهذا يعني أنك لا يمكن أن تترك كل فرد ليقدم رؤيته الخاصة، بل يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لهذا العمل وعلى أساسها يتم اختيار أفراد العمل، وتوجيههم بالطريقة الفنية المطلوبة، فهناك دائمًا مصورين كثر، ولكن على المخرج أن يوجه الرؤية الفنية للتصوير بأحجام لقطاته ونوع حركتها وتقنياتها المطلوبة.
هذا ما يمنح هذا الفن رونقه، أنه يوحد رؤية فنية للعديد من المهارات والفنون، لتكون صورة متكاملة في قالب فني حديث نسبيًا، ولكنه يعمل على إثارة المشاعر باستخدام العديد من الأسس العلمية في تكوينه التي تشحذ الحواس وتخدعها لتنغمس في هذا العمل الفيلمي.
السينما كتجربة إجتماعية
المسرح فن قديم للغاية، يرجع إلى آلاف السنين، قدم تجربة اجتماع الجمهور بجانب بعضهم البعض من أجل مشاهدة العرض المسرحي، وهو ما منح هذا الفن شكلا اجتماعيًا، ولكنه بشكل أو بآخر على مدار القرون الطويلة، كان يحتفظ بطابعًا أرستقراطيًا في مواضيعه، من شكسبير إلى الطبقة العُليا في كل مكان داخل بريطانيا، والحال ذاته في العديد من الدول في أوروبا والعالم، ولم تحظى الطبقات الفقيرة بالكثير من العروض عدا المساخر، وما شابهها.
أما السينما جاءت مختلفة تمامًا، فقد انتشرت في كل مكان، وأصبح جمهورها من كل الفئات المجتمعية، وحتى العاملين بها كانوا من مختلف الطبقات المجتمعية، فمهندس الديكور النابغة في السينما يحتاج إلى نجارين وفنيين وفنانين مغمورين للقيام بتنفيذ ديكوراته المختلفة، وهو ما جعل هذا العمل الفني أكثر شمولا حتى من المسرح الأقدم.
السينما تقدم تجربة فريدة للجمهور، حيث يجلس الغني والفقير في قاعات السينما، يصفقون ويهتفون ويتفاعلون مع أحداثه، يحزنون ويفرحون مع بعضهم البعض، وهو ما يجعل الذهاب إلى قاعات السينما طقسًا اجتماعيًا، فهي الفن الأكثر تأثيرا في العالم، لأنه وببساطة شديدة يتحدث إلى كل الحواس، بالأغنية والحوار والصورة والانفعالات والتفاصيل والمعمار، ولهذا هي فن للجميع، ولا لطبقة واحدة.
هل ألعاب الفيديو يمكن أن تكون أفلامًا؟
ألعاب الفيديو ليست أفلامًا، ولكن يمكن لها أن تكون أفلامًا، إذا اخترت بشكل صحيح ما الذي يمكن أن تحكيه من خلال لعبة الفيديو، وهنا نقدم لكم فيلم (المهمة: جين ووك)
وهو فيلم للمخرجين النمساويين ليونارد ميلنر، و روبين كلينجل، وهو فيلم قصير غير معتاد على الإطلاق، حيث يحكي الفيلم عن مدينة نيويورك في الولايات المتحدة عن طريق السير خلال اللعبة، في لحظة تالية لحرب ما مع سرد حكاية حول تلك المباني والأماكن وتأثير الاقتصاد عليها، بطريقة ساخرة وذكية تُحول اللقطات المأخوذة من تلك اللعبة إلى قصة مترابطة مع سرد مُصاحب لها وموسيقى وبعض المؤثرات الصوتية من اللعبة، ما يخلق من هذه اللعبة قصة، ومن ثم فيلم.
تجربة الفيلم من اللعبة تؤكد نظرية الرؤية الفنية، فالعديد من الناس يمكن أن تلعب اي لعبة، ولكن أن تكون لك خطة يمكنها أن تختار المشاهد المناسبة وإعادة ترتيبها باستخدام المونتاج مع إضافة تعليق صوتي مع اختيارات موسيقية، فهذه هي الرؤية الفنية للسينما، وهو ما يجعل صناعة الأفلام أمرًا في غاية السحرية، لأنه من غير المهم ماذا تستعمل على وجه التحديد من الفنون الأخرى، ولكن الأهم هو أن توجد رؤية فنية لهذا العمل في النهاية.
السينما فن الفنون
الصورة التي تقدمها السينما حتى دون صوت يمكن أن يفهمها الجميع، يمكن أن ترى الدموع في عين الممثل بعد أن فاته القطار، ويمكن أن ترى الدموع أيضًا في الأم وهي تحضن ابنها، في الأولى يمكنك أن تعرف أن أنها دموع حزن أو غضب، وفي الثانية يمكنك أن تميز أنها دموع السعادة والفرح، وهنا عنصر لم يكن لأي فن أن يقدمه من قبل وهو السياق، القدرة على نقل المشاعر من خلال الصورة، فيفهما الغرب والشرق، لأنها في الواقع تنقل انفعالاتنا نحن البشر إلى غيرنا من البشر، وهذا ما يجعل هذا الفن هو فن الجمع بين الفنون المختلفة.